سقــوط مصــر يرعــب أميركــا وإسرائيــل
د.نسيب حطيط
كان الحلم الأميركي، صناعة الشرق الأوسط الجديد ، بعد ثلاثين عاما من اتفاقية "كامب ديفيد" التي فتحت العالم العربي أمام التطبيع والإجتياحات الإسرائيلية عام 1982 و 2006 وحصار غزة ودخول إسرائيل المنتدى العربي كشريك ،وبعدما خرجت مصر من المواجهة العسكرية،هدأت الجبهات وتشتت العرب وتناحروا، وصاروا سوقا مفتوحة يغزوها من يشاء ويتوسلون المفاوضات مع إسرائيل بل ويتعاونون معها ضد المقاومة.
النظام المصري يشكل( عمود) الخيمة الأميركية في المنطقة وقائد الإعتدال العربي، وقد بالغ في تنفيذ التعليمات الأميركية والإسرائيلية لحصار غزة وقمع الشعب المصري ومواجهة سوريا وإيران ،وعندما استلم مبارك الحكم كانت ديون مصر حوالي 12 مليار دولار عام 1981 والتي وصلت الى حوالي 880 مليار دولار مقابل مساعدات أميركية تبلغ حوالي مليار ونصف سنويا فقط مقابل الخدمات السياسية والأمنية للنظام.
النموذج المصري من القهر والتبعية والمديونية ، يتكرر في أكثر من بلد عربي تحت عنوان الخصخصة والإنفتاح والإستثمار ، ففي لبنان تصاعد الدين العام من مليارين إلى 60 مليار دولار بحوالي 25 عاما أيضا.
ولا بد من إستخلاص العبر والنتائج من الحدث المصري خاصة وتونس وغيرها عامة.
-إن خروج مصر من الفلك الأميركي ،يشكل خطرا استراتيجيا على إسرائيل ،بعد خسارتها لإيران بعد الثورة ، والعلاقة المأزومة مع تركيا .
- إن أميركا مستعدة للتخلي عن حلفائها وعملائها، وارتكاب المجازر عبرالنظام واجهزته العسكرية ،والإنقضاض على المتظاهرين بحجة منع النهب والسرقة ،لحفظ مصالحها ،فالجميع أدوات وليسوا حلفاء.
- إن سقوط مصر يعني نهاية مرحلة بدأت باتفاقيات (كامب ديفيد) وأن الإنهيار العربي طوال العقود الثلاثين لن يستمر، ويمكن أن يثمر لقاح المقاومة الشعبية على الساحات العربية.
- إن( دومينو)الأنظمة الحليفة لأميركا مستمر بالسقوط من تونس إلى مصر إلى الأردن إلى اليمن وغيرها من الممالك والإمارات.
- إن الشعوب إذا أرادت فهي قادرة على التغيير ، ويمكن إسترجاع فلسطين والمقدسات بالقوة لا بالمفاوضات.
لكن الخوف من غياب القيادات الناضجة والفاعلة في تونس ومصر، أن تصادر أميركا الإنتفاضة ،عبر بعض الشخصيات المصنعة أميركيا ، فيتم إسقاط الرئيس أو الحزب الحاكم ويستمر النظام بوجوه جديدة، وتمسك أميركا بالحكم لثلاثين عاما جديدة، وتهدد الثورة بسبب تردد القيادات المعارضة أو وجودها في السجون أو خوفها من الفشل ، ، ممايفسح المجال للإنتهازيين والوصوليين وعملاء أميركا من جديد وتجهض الثورة وتصادر.
إن غياب التيارات المعارضة المنظمة عن ساحة التظاهر ووقوفها في الصفوف الخلفية ،يسقط حقها في قيادتهم أو التفاوض عنهم، خاصة وأنها لم تبادر إلى تحريكهم والأكثر إستغرابا سكوت رجال الدين والأزهر عما يجري دون موقف واضح، وكأن الإسلام قد صادره الحكام ليصدر البعض فتوى عدم جواز(إحراق النفس)ضد النظام أو مواجهة الشرطة، ولا يفتي بعدم جواز إطلاق النار على المتظاهرين أو الطلب من الحاكم إحقاق العدالة و العيش الكريم للناس، فأصبحت المؤسسات الدينية المرتبطة بالسلطة ملاجىء لوعاظ السلاطين الذين يشوهون الإسلام الداعي للعدل والحرية والعزة.
إن مصر تعطي الدرس لمن تبقى من الحكام المتحالفين مع أميركا ،بضرورة اليقظة والتراجع عن أخطائهم قبل فوات الأوان،وتعطي الدروس لأتباع أميركا الصغار والكبار بعدم المراهنة عليها فإنها تتخلى عنهم في لحظة ضعفهم أو لحفظ مصالحها .
مصر تعطي الدرس للشعوب ،وقدرتها على التغيير وتؤكد أن نهج المقاومة هو الطريق الأكثر صوابا وعزة، وأن المستعمر وعملائه فإنهم إلى زوال وأن المقاومة تستطيع الإنتصار والتصدي للمشروع الأميركي – الإسرائيلي وهزيمته.
هل يستيقظ البعض في لبنان بعد تجاربهم مع إسرائيل وأميركا ... وبعد رؤيتهم لمبارك وبن علي.. أم سيبقون في أحلامهم الخادعة.